Sunday, February 21, 2010

العلاج بـ"الوهم"






يعكف مستشارو الطب النفسي على تطوير وسائل جديدة في مجال الأمراض النفسية والعقلية بعيداً عن اقتصار العلاج على الكيماويات فقط ، وخلال تلك الأبحاث توصل العلماء إلى نتيجة مذهلة تتلخص في قدرة العقل على شفاء الجسم إذا امتلأ بروح الأمل والتفاؤل أو "بالبلاسيبو" وهو ما يعرف بــ "العلاج الخادع".


و"البـلاسيـبـو" .. هي كلمة لاتينية تعني "I shall Please" أو "سأتحسن" وهو دواء أو علاج يعتقد المعالِج أنه خامل ولا يسبب أي ضرر، ويمكن أن يكون "البلاسيبو" حبوباً من السكر أو حبوباً من الكربوهيدرات المعقدة، ويمكن أن يكون "البلاسيبو" أيضاً عمليات جراحية "كاذبة" أو علاجات نفسية "كاذبة".

وهو ما يعرف العلاج بالوهم أو بالإيحاء، حيث يعتمد الجسم بصورة أساسية على رسالة موجهة إليه لها إيحاء معين ويتم توجيهها للمخ إما عن طريق المريض نفسه وإما من الشخصية المعالجة له.

وقد كشفت دراسة أجرتها جامعة سيدني الاسترالية، أن العلاج الوهمي له دوراً كبيراً في شفاء الكثير من الأمراض ولا يقل أهمية عن العلاجات الحقيقية.

وأشار دامين فينيس قائد فريق البحث، إلى أن العلاجات التي يكون مصدرها عقل الإنسان تساعد في تحسين آليات الشفاء الطبيعية لديه، حيث تم إعطاء عدد من المرضى الذين يتناولون أدوية مهدئة للألم أدوية وهمية دون علمهم لكنهم استمروا في الشعور بألم أقل وتم الكشف عن ذلك باستخدام أجهزة مسح الدماغ.

وأضاف فينيس أن التأثير الذي يحصل عليه المريض جراء حقنة يعطيها له الطبيب أفضل بكثير من تأثيرها في حال تلقاها المريض من قبل جهاز آلي.

وأكد فينيس أنه ليس من المفروض تناول حبة وهمية للحصول على تأثير العلاج الوهمي، بل إن طريقة تقديم العلاج على نفس القدر من الأهمية في كثير من الأحيان.

ويرى العلماء أن هذه الرسالة تعمل على حث المخ ودعمه لرفع تأثير علاج موجود بالفعل في داخل الجسم أو بمعنى تحسين سير العملية العلاجية، وهذا ما أكدته أحدث الأبحاث الدولية أن العلاج بالوهم "البلاسيبو" يمكن أن يقلل من شعور المريض بالألم تماماً مثل تأثير العلاج التقليدي.

وأشار باحث المخ الشهير جون- كار زوبيتا الأستاذ بجامعة ميشجان الأمريكية، إلى أن آخر الدراسات أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن تأثير العلاج التمويهي "الوهمي" على المرضي حقيقي وليس وهمياً، فأي مريض عايش تجربة العلاج الوهمي لم يشعر بتحسن فحسب بل تحسنت حالته بالفعل.

وأوضح الباحث أن هناك تغيرات تحدث في العقل والجسم حينما يخضع المريض لتأثير العلاج الوهمي، مؤكداً أن تناول المريض الدواء الوهمي وهو مؤمن بأنه دواء تقليدي فاعل فإن هناك تغيرات كيميائية حيوية تحدث بداخله تؤدي إلى تخفيف آلامه، أي أن الأفكار الايجابية للمريض تجاه مفعول الدواء من الممكن أن تخفف فعلياً من آلامه.

ومن جانبه، أشار الباحث الإيطالي فابريزيو بينيديتي، إلى أن العلاج الوهمي من الممكن أن يحل محل المنشطات التي يتعاطاها الرياضيون في مراكز اللياقة البدنية، وأوضح الباحث أنه أجرى تجارب على بعض الأشخاص بإعطائهم قهوة خالية من الكافيين وأكد أنهم حينما تناولوها لم يشعروا بأنهم أقوى وأكثر إثارة فحسب، بل قاموا بالفعل بمزيد من التدريبات أكثر مما كانوا يقومون بها أثناء تعاطيهم للمنشطات الحقيقية.

وتشير الأبحاث إلى أن الاستجابة للعلاج الوهمي تختلف من مريض إلى آخر حسب نوع الجنس، فالنساء يثقن أكثر في العلاج الذي سبق وساعدهن على الشفاء أو شفي به أحد من معارفهن من قبل، أما الرجال فتزيد نسبة استجابتهم للعلاج الوهمي حينما تشرف على علاجهم طبيبات.

وأكدت الأبحاث أن ثقة المريض في طبيبه تلعب دوراً محورياً في نجاح عملية العلاج بالوهم، بل قد يصبح الطبيب في كثير من الأحيان أهم من الدواء ذاته.

قصص طريفة عن العلاج الوهمي

نزل أحد المصابين بالربو في فندق فخم، وفي الليل فاجأته الأزمة وشعر بحاجة للهواء المنعش فاستيقظ مخنوقاً يبحث عن مفتاح الضوء، وحين لم يجده بدأ يتلمس طريقه للنافذة حتى شعر بملمس الزجاج البارد، ولكنه عجز عن فتح النافذة فكسر الزجاج وأخذ يتنفس بعمق حتى خفت الأزمة.

وحين استيقظ في الصباح فوجئ بأن النافذة كانت سليمة تماماً، أما الزجاج الذي كسره فكان خزانة الساعة الضخمة الموجودة في الغرفة !!

وتأثير الوهم يلعب دوراً يقدر بـ30% من أي علاج.. بمعنى لو أخذ تسعة أشخاص حبوب أسبرين لمقاومة الصداع سيشفى ثلاثة منهم على الأقل قبل أن يبدأ مفعول الأسبرين الحقيقي.




وفي التجارب التي تجريها شركات الأدوية على العقاقير الجديدة يقسم المرضى إلى مجموعتين، الأولى تعطى العقار الحقيقي في حين تعطى المجموعة الثانية بدون علمها مواد غذائية تشبه العقار الجديد وغالباً ما تكون حبوب سكر أو ملح، وغالباً ما تنتهي التجربة بشفاء 30% من المجموعة التي لم تعط غير الحبوب الوهمية وهذا شيء متوقع.

وفي جزيرة كوشر في فنزويلا، تم إجراء تجربة على الأطفال المصابين بمرض الربو بحيث كان يقدم لهم دواء لتوسيع الشعب الهوائية مطحوناً، و"شمة" مع الفانيليا ثم بدأوا بعد ذلك في منع تقديم أدوية توسيع الشعب والاكتفاء بالفانيليا وللغرابة فإن رائحة الفانيليا وحدها كانت تعمل على زيادة كفاءة عمل الرئة لدى الأطفال المصابين بشكل بلغ 33% عن استخدام الأدوية الموسعة للشعب وحدها.

وكانت إحدى الطبيبات كانت تشرف على علاج طفلة مصابة بأنيميا منجلية حادة، وهذا المرض يسبب آلاماً لا تطاق في العظام والمفاصل، وعند اللزوم يعطى الأطفال حقنة بيثيدين "كمخدر" لتسكين الآلام.

ومع الأيام تعلمت الطفلة أن هذه الحقنة تجلب لها الراحة فأصبحت تطالب بها باستمرار، ولكن خشية الإدمان أصبحت الطبيبة تعطيها حقنة "ماء وملح" على أنه بيثيدين، كما يحدث مع الحقنة الحقيقية يخف الألم فوراً وتدخل الطفلة في نوم عميق، ولكن بعد ذلك أفشت إحدى الممرضات سر الحقنة الجديدة فوصل الخبر للطفلة فتلاشى مفعولها، ليس هذا وحسب، بل أصبحت على قناعة أن حتى حقن "البيثيدين" مجرد خداع فلم تعد تؤثر فيها.

ويعاني كثير من المرضى آلاماً بعد الجراحة وتزول هذه الآلام بعـد إعطائهم حقنة لا تنفع ولا تضر عبارة عن "سالين معقم" ، ولعل من الأخطاء الشائعة أن هؤلاء المرضى لا يعانون من آلم حقيقي بل هم فقط يتصورون ذلك وهذا يفسر زواله بعد الحقنة.

وفي ولاية تكساس ابتدع الأطباء عملية جراحة اسمها "جراحة اللا شئ" أو العدم استخدموها بكثافة في علاج آلام الركبة والمفاصل ويقومون بتخدير المرضى وإجراء فتحة كبيرة بالمشرط حول الركبة دون أن يفعلوا أي شيء داخلها وكانت المفاجأة أنه بعد عامين من هذه الجراحة الوهمية امتثل جميع المرضى للشفاء واختفت الآلام وأصبحوا يعيشون حياة طبيعية.

وفي مجال العلاقات الجنسية كان تأثير الأدوية الوهمية عظيماً بالنسبة للرجال والنساء على حد سواء، وحسب الدراسات التي أجرتها شركة "فايزر" فقد بلغ متوسط نسبة فاعلية الفياجرا حوالي 73%، وأما المرضى الذين تعاطوا دواء وهمياً فقد بلغ متوسط الفاعلية 24%.

أما أطرف استخدام للعلاج الوهمي فكان في القضاء على الصلع، ففي دراسة حديثة لمرضى الصلع تبين أن استخدام هذا العلاج يساعد على عدم سقوط الشعر ونموه بشكل غزير.

فهذه القصص بمثابة أدوات قوية ، ففي حالات المرض فإننا نتجه للتركيز على اللحظات غير السعيدة مما قد يتسبب في تدهور حالة المريض من خلال دعم مشاعر العجز والانهزامية، وهذه ليست كل السيناريوهات التي يمكننا بناؤها، فقد كان هناك مريض يعاني من نوبات صداع نصفي متكررة بسبب بحثه عن وظيفة، وعند النظر عن قرب إلى القصة التي يرويها عن المرض اكتشف أنها تزيد من حدة نوبات الصداع، حيث أنه عند بوادر الألم يقوم بتكوين نظرية مفزعة عن العجز التام الذي سيصاب به قريباً.

وبمجرد أن تعلم هذا المريض كيف يؤكد لنفسه قدرته على التعامل مع نوبات الصداع خفتت بالفعل حدة هذه النوبات وسرعان ما بدأ عملاً جديداً، وبعد عام من العمل لم يتغيب سوى يوم واحد بسبب الصداع.

الوهم .. في كبسولة




في مجال علم النفس اكتشف الأطباء أنهم يستطيعون تحقيق الشفاء لمرضى الاكتئاب النفسي باستخدام الأدوية الوهمية.

وبينت دراسة أمريكية أن الأدوية الوهمية التي تعطى لمريض الاكتئاب تؤثر بالفعل في إحداث تغييرات في نشاط المخ لدى المريض‏،‏ رغم أن هذه الأدوية قد لا تخرج عن كونها قطعة من السكر مغلفة على شكل حبة دواء.

وفي دراسة أخرى أجريت على 51‏ مريضاً يعانون الاكتئاب الحاد، حدث رد فعل إيجابي لنصف المرضى الذين تناولوا أدوية وهمية،‏ وحدث رد الفعل نفسه لدى‏ نصف العينة من المرضى الذين تناولوا أدوية حقيقية.

ويفسر العلماء ذلك بقولهم إنه يكفي للمريض الإحساس بأنه يتناول دواءً فعالاً، حتى يثير ذلك لديه رد فعل إيجابياً.‏

الصيدلية الداخلية.. هى السر

يُعد جسم الإنسان معجزة إلهية، فالجسم يقوم بإفراز بعض العناصر الكيميائية لعلاج المرض بمقدار معين، وهو ما يعرف بمصطلح "الصيدلية الداخلية"، وهي إحدى القوى الجسمية المتأصلة للعلاج، بمعنى أنها موجودة كجزء أساسي من أجزاء الجسم، وهي علاج موجود بالفعل بداخل الجسم يساعد على تحسين سير العملية العلاجية.

وفي العلاج التلقائي يتجه الجسم لشفاء نفسه دون الاعتماد على أي رسائل داخلية أو خارجية لاستثارة هذا العلاج.

ويفرز الجسم البشري تلقائياً مادة تسمى "الشفاء الذاتي"، لكنه أحياناً يكون بطيئاً في إفراز هذه المادة، وفي هذه الحالة يكون في حاجة إلى مساعدة خارجية لحث "صيدلية الجسم" على العمل بكفاءة أكثر، وكذلك الاستجابة للعلاج "بالبلاسيبو"، فهي تحتاج إلى مساعدة خارجية تتمثل في بعض العقاقير الإيحائية، أو رسالة موجهة إليه يتم توجيهها للمخ إما عن طريق المريض نفسه وإما من الشخصية المعالجة له.

وهذه الرسالة تعمل على حث المخ ودعمه ويحدث الشفاء السريع عن طريق ربط العلاج الخارجي بنتائج عمل الصيدلة الداخلية، والواضح أن العقل يمكنه شفاء الجسم إذا امتلأ بروح الأمل والتفاؤل.

الإيحاء .. علاج فعال لكثير من الأمراض




تمكن العلماء مؤخراً من التوصل إلى أن جسم الإنسان يقوم بإنتاج مادة كيميائية مخدرة هى "اندروفين" التي تعمل على التخدير وتسكين الآلام والتي يتم إنتاجها ضمن عناصر الصيدلية الداخلية للجسم.

وليست هناك قاعدة تقضي باختيار الجسم أو تفصيله بين العلاج الداخلي أو الخارجي لشفائه وإنما يحدث الشفاء السريع عن طريق ربط العلاج الخارجي بنتائج عمل الصيدلة الداخلية.

ومن الملاحظ أن الاتجاه العام في الطب أو في أي نظام علاجي يعتمد إلى حد كبير على مهارة وقوة المعالج مع إهماله القوة العلاجية للمريض وهو الاتجاه الذي يحاول الطب البديل تبنيه هذه الأيام مما زاد من شعبيته عن العلاج التقليدي بمراحل.

كما أن قناعة الطبيب بالعلاج و إيمان المريض بالطبيب يعملان معاً لتعزيز الأثر، ويكون العلاج شبه مؤكد بحصول التحسن وأحياناً الشفاء.

وقد استند كيرنز وزملاؤه من كلية كنيتيكت الطبية الأمريكية إلى دراسة استغرقت ثلاثة أشهر، شملت من يعانون آلاماً في أسفل الظهر، وأثبتوا خلالها أن العلاج النفسي المعتمد على تقنيات سلوكية وإدراكية، بتنظيم العمليات الفيزيولوجية والاسترخاء والمشاورات النفسية، يخفف من حدة الألم إلى درجة كبيرة.

جـدل أخـلاقـي

أحدثت فاعلية "البلاسيبو" الكثير من الجدل الأخلاقي بين العلماء، مستندين أنه ليس من حقك أن تخدع الآخرين ولكن يجب أن تخفف عنهم بعض الآلام، وهل من حقك استخدام الخداع للتخفيف من آلام الناس، وهل من حق الطبيب أن يصف لك "بلاسيبو" دون أن يخبرك به، وإذا كان أخبرك به سيقلل من فاعليته.

ولكن المقتنعين بالطب البديل، يقولون أنه لا يهم إن كان الدواء الذي يقدم للمريض "بلاسيبو" أم لا، بل الذي يهم هو التحسن والشفاء.





No comments: